هل سنبقى نستغرب.. متى الحل؟

ما يميز كأس العالم عن غيره من البطولات بالنسبة لي، هو أن رغبتي بأن أكون صحفية في عالم الرياضة تولدت في كأس العالم 2010، وارتبط هذا الحلم بهذه المناسبة ارتباطاً كبيراً، ما زلت كما كنت قبل 12 عاماً، أجلس وأشاهد كل مباريات البطولة مع زملائي، أو مع أصدقائي وعائلتي، وأفرح حين يوجّه لي السؤال خصيصاً حول لاعب أو هدف أو أي تفصيل آخركوني الأكثر اهتماما بين الجميع.

كان الفضول هو ما دفعني لأقرأ بعض التعليقات على خبر إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم إدارة طاقم تحكيمي نسوي لإحدى مباريات كأس العالم للمرة الأولى في تاريخ البطولة، وكانت النتيجة كمية هائلة من التعليقات الساخرة والمهينة، مثل “ما تغير عبر الزمن هو التطور التكنولوجي، أما المرأة فتبقى مجرد امرأة، كرة القدم للرجال اتركوها لهم”، وطبعا الجملة التاريخية “ع المطبخ”.

 

أعادتني هذه التعليقات إلى ما اعتدت على سماعه عندما كنت أخبر من حولي أنني سأصبح صحفية رياضية، كانت تقابل رغبتي هذه، بالاستهزاء والاستنكار، “يعني هلق عنجد أنت بدك تصيري مذيعة رياضية؟!”، ولا أنكر أن هذه العبارات والنظرات التي كنت أشاهدها على وجوههم، زرعت داخلي شيئاً من التردد والخوف، أتذكره حتى اليوم، وأعمل دائماً على السيطرة عليه، حتى بعد أن بدأ عملي في هذا المجال، فأنا أدرك تماماً أن معركتنا كنساء في هذا الميدان، لن تكون سهلة.

 

هل كان اعتماد الطاقم النسوي أمراً غريباً؟ ليس هذا السؤال الغريب، الغريب هو التعليقات الساخرة، والتي لم أستغربها، ومع الأسف كانت متوقعة، فدائماً ما يرتبط الحديث عن النساء و”تدخلهن” في كرة القدم، بالسخرية والتقليل من أي رأي لهن، كنت شاهدة على كثير من هذه الحالات، وشخصياً، لا أفهم وجهة النظر هذه، فمن قرر أن التواجد في عالم الرياضة هو حكر على الرجال فقط؟ لا أحد، وبالتالي لا يمكن لأيّ كان أن يحاسب المرأة على ما تحب أن تفعله، أو أن يملي عليها ما يجب أن تفعله.

 

يعتبر الكثير من الرجال أن معرفة المرأة لمعلومات رياضة أكثر منهم هو شيء مهين، غالباً ما يرفضون الاعتراف بهذا الأمر، أذكر جيداً شجاراً دار قبل سنوات بين فتاة وشاب حول تفصيل كروي معين، يومها انتهى هذا الشجار الرياضي بكتابة الشاب -وهو خريج كلية الإعلام والصحافة- لمنشور على صفحته عبر فيسبوك، بعنوان “إن خرجن من المطبخ”، طالب فيه بأن تُترك متابعة كرة القدم “لأهلها”، وأن تلتزم الفتيات بمهامهن المحددة لهن، كالتي ذكرها في عنوان منشوره.

 

لماذا ظهور بعض الفتيات اللواتي يتظاهرن بمتابعة المباريات وفهم مجرياتها وخاصة في المناسبات العالمية ككأس العالم، أمرٌ غير محبب؟ إلا أن هذه الظاهرة لا تعتبر جديدة، أما الأهم فإن هذا “الأمر المستفز” ليس حكراً على العنصر الأنثوي، فقد قابلت نماذج من شباب اعتادوا على مشاهدة المباريات بشكل دائم، لكن لم أجد لديهم القدرة على تقديم تحليل أو تقييم بسيط لمجريات ما شاهدوه، صادفت أيضاً من لا يستطيع منهم التمييز بين ركلتي التماس والركنية، أو تفسير قانون التسلل، لكن لم أتعمد يوماً أن أسخر منهم أمام أصدقائي مثلاً.

ما سبق هو توصيف لحال يحدث كل بطولة كروية، لا يمل كثيرون من إعادة الكلام نفسه، ولا تمل كثيرات أيضا من تقبله بضحكة أو ابتسامة، وكأن ما يحدث لا يعتبر ازدراءً أو تحقيراً لها أو لقريناتها.. والسؤال ليس ما الحل، فهو معروف، السؤال متى الحل؟

 

إليسا حسين – صحفية سورية