مجتمع “رسائل الآخرين”

“ممكن تفتحي كام بليز”.. هي رسالة وصلتني ومثلها الكثير على صندوق الرسائل الأخرى على تطبيق “مسنجر”، نعم بهذه الوقاحة يرسل شخص ما لا يجمعني به أي شيء رسالة يطلب فيها طلب من أوقح الطلبات.

حين اكتشفت وجود ما يسمى بـ “صندوق الرسائل السبام” على تطبيق “مسنجر”، اكتشفت عالم آخر جديد يحوي في ثناياه شخوصاً مريضة موجودة في مجتمعاتنا، ناس تصفهم إحدى صديقاتي بـ “كل همها تنشر أمراضها ووساختها وبدون أدنى احترام لمشاعر البنت يلي عم يبعتولها ياها”.

فضلاً عن إرفاق صور بمحتويات ليست فقط غير لائقة، إنما أقبح مما يتخيله أي إنسان، عبارات متنوعة ومتعددة قد تبدأ بعبارة كليشيه كـ “ممكن نتعرف يا حلو” وتصل لعبارة كـ “ممكن صير عبد لرجليك”، وتتعدد كهذا رسائل وتتعدد الشرائح المرسلة من أشخاص بأعمار مختلفة لمراهقين حتى لأشخاص كبار في العمر، ومن حسابات غالباً ما تكون حسابات وهمية أنشئت فقط لهذه الغايات.

أغرب رسالة وصلتني كانت “ممكن سؤال لو سمحتي؟” قادمة من شخص حين دخلت على صفحته الشخصية كان يعرف عن نفسه على أنه دكتور جامعة، قلت لنفسي “دكتور جامعة شو بده يطلع منه شي عاطل؟”، افترضت أنه شخص متعلم ومثقف وبالتأكيد لديه شي مهم ليقوله، بمعنى رسالة عادية ماذا يمكن أن تحمل من خطأ؟ ولكن كانت الطامة الكبرى، أجبت على الرسالة “أكيد تفضل شو فيي ساعدك”، لأصدم بالرد “فتت على صفحتك لقيتك كاتبة إنك عازبة، معقول بنت بجمالك تكون لهلأ عازبة؟ معقول عميان كل الشباب؟ من وين حضرتك ما قلتيلي؟”.

فتحت الرسالة وجلست أتأملها أكثر من ساعة، “حتى أنت يا بروتوس لم تستطع كبح قباحتك؟”، كل ما دار في خلدي حينها أن شخصا افترضت من شهادته العلمية أنه يجب أن يكون محترما لنفسه وللأخرين، كيف ومن أين يأتي بكل هذه القباحة وقلة الاحترام؟.

القصة لم تنته هنا، فعندما قررت إهمال الرسالة، على مبدأ “خلص لا بقى تردي عليه يا بنت”، تفاجت بإرساله لرساله جديدة يقول فيها “شو ليش ما عم تردي عليي؟”، ومع ذلك قررت إهمال الرسالة عله ييأس، وهذا ما لم يحدث، فاستمر الاستاذ الجامعي بإرسال رسائل وقحة وسيئة بعضها مضحك إذ ما ربطته بشهادته الجامعية كـ “ليش الحلو مطنشنا؟” و”رد علينا وخود الغلة”، رسائل كثيرة من هذا النوع التي بالرغم من إزعاجها لكنها لم تتجاوز حد الوقاحة في الشكل وليس المضمون، لتأتي بعدها المفاجأة.

الاستاذ الجامعي وبكل وقاحة يتصل صوت وصورة عبر تطبيق مسنجر، وأنا في دوامي وبين زملائي بالعمل، قمت بفصله لأول مرة ليعاود الإتصال، وأرد بنفس الطريقة بالفصل، لكنه استمر بالإتصال، كان قراري بإعطاء الموبايل لزميلي في العمل ليرد عليه، وبطبيعة الحال “البلوك”.

تمنيت لو أن القصة، أو غيرها من هذه القصص، تنتهي بالبلوك، ولكن للأسف بعد يومين في أحد الغروبات طلبت أني بحاجة لمعرفة أين يقع مكان ما، وبعض الناس أرسل رسائل، وعلى صندوق الرسائل الأخرى وصلت عدة رسائل أغلبها مرتبط بالطلب، لأصل لرسالة كانت من نفس الشخص المزعج من الأستاذ الجامعي ولكن من حساب ثان له، يقول فيها بكل بساطة “ليش عملتيلي بلوك يا *&%$#.. أنا بس كان بدي كون عبد لرجليك”.

اتخذت قراراً بألا أفتح رسائل “الأخرى” لا من أشخاص قد تعرفهم ولا من رسائل سبام، كونها غالباً ما تكون رسائل مزعجة مهما بدت رسالة بريئة بالبداية، وتعلمت أن التحرش ليس بحاجة لشارع أو مكان مغلق، فالمتحرش ممكن أن يلحقك للبيت ويدخل بدون استئذان، وتأكدت أكثر أن اللباس والضحكة وطريقة المشي ليسوا عوامل تزيد التحرش، فالمتحرش يتحرش بغض النظر عن أي متغيرات.

تجربة سيئة جداً تعرضت لها، وتتعرض لها كثيرات في مجتمعنا، ما حصل يتجاوز كونه تحرش الكتروني أو إهانة، هؤلاء هم مجتمع قائم بحد ذاته، ولكن السؤال الذي ظللت أطرحه بيني وبين نفسي “حتى بحسابي على فيسبوك ماني مرتاحة؟”.

 

ريما سواح – عضو مجلس إدارة في جمعية “نور” للإغاثة والتنمية