جلال يتخطّى الصعاب في جمعية ’نور‘

من المتوارث اجتماعيّاً أنّ ولادة طفل مصاب بعجز جسدي أو عقلي في الأسرة، يسبّب لها صدمة يصعب امتصاصها، في بداية الأمر، وكثيراً ما يفقد الأهل أعصابهم، خصوصاً وهم يرون انتظارهم المفعم بالآمال تسعة أشهر كاملة، يتجسّد بطفل ذابل ضعيف، وربما تفاقم حزنهم أكثر، إذا كانت إعاقة طفلهم في الدماغ، ما يجعله يندرج ضمن فئة من يُطلق عليهم “المتخلّفون عقلياً”.

محمد جلال خالد الحسين ابن العشرة أعوام أُصيب باستسقاء دماغي منذ خروجه إلى الدنيا، ممّا تسبّب له بصعوبة في النطق والكلام.

“تلقّينا صدمة كبيرة حين علمنا أنّه مصاب بهذا المرض، وأحسستُ أنا ووالده بمشاعر مختلطة من الحزن والألم العميق، والإنكار والغضب والشفقة والخوف من المستقبل، مشاعر كثيرة يصعب وصفها بالكلمات”، تلك كانت العبارة التي بدأت بها السيّدة أم جلال حديثها وهي تحكي بمرارة عن معاناتها وطفلها جلال مع مرض الاستسقاء الدماغي.

وأكملت: “عانيت كثيراً من شدّة تعلّق جلال بي أينما كنت وذهبت، وعند ملاحظة رغبته في التعلّم عندما يدرس إخوته أمامه في البيت، حاولت أن أدخله مدرسة عاديّة لأدمجه مع من هم في سنّه، وليتعلّم الحروف والكتابة، لكن جلال لم يشعر مطلقاً بتأقلم مع المحيط هناك، حيث أنّ طريقة تعامل أصدقائه معه في المدرسة بالسّخرية من إعاقته، جعلته يرهب الذهاب للمدرسة ويكرهها، فخفت أن يسبّب ذلك ضعف شخصيّة لطفلي.

لكن الأمر تغيّر بعض الشيء، حين أخبرنا أحد أقربائنا بوجود أناس متطوعيّن، همّهم الوحيد مساعدة هذه الفئات ضمن مجال عملهم، ويتبعون لـ “جمعية نور للإغاثة والتنمية”.

توجّهت إلى مركز جولان بتاريخ 2/1/2016 لكي أجد حلّاً، وهنا كانت البداية؛ تمّ استقبالنا في المركز بلطف وبطريقة أشعرتني بالأمان، فقد كنتُ متعبة نفسيًاً، واستطعتُ أن أعرض المشكلة وما كان عليه الوضع حينئذ، وعلى ذاك الأساس، تم إجراء مجموعة اختبارات لجلال وتم تشخيص حالته بصعوبات النطق والتعلّم وتمّ وضع برنامج لحلّ المشاكل التي كان يعاني منها.

من هذه النقطة تغيّر الحال، وأصبح بوسع هذا الطفل تولّي احتياجاته الشخصية بنفسه بعيداً عن والدته، حيث تؤكد أم جلال بأنّ هذا التدخّل، عاد بالنفع على ابنهم وأصبح وضعه أفضل من السابق، كما تعلّمت الأمّ بعض الأساسيّات التي ينبغي عليها مزاولتها من أجله.

وبمساعدة اخصائيّة النطق في مركز جولان “بشرى محمد” وبفضل جهودها، استطاع جلال نطق الحروف ولفظها بطريقة صحيحة من خلال تمارين النطق والتنفس، وتعلّم كتابة الأحرف الأبجديّة المنفصلة وكتابة الكلمات والمقاطع، كما تمّ تعديل سلوكه، ودمجه بأنشطة الدّعم النفسي وبعض الأنشطة الترفيهيّة الممتعة داخل المركز كأنشطة الرسم والصلصال والكولّاج وغيرها من الأنشطة التي تحسّن من مهارات جلال وقدراته.

تُتابع أم جلال: “لقد كانت فرحتي كبيرة عندما كنت أرى جلال يركض مسرعاً باتجاه البوابة الخارجيّة لمركز جولان عند إيصاله وسعيداً للقاء معلّمته، وعندما كنتُ أعود بعد انتهاء الحصة، كنت آخذ التغذية الرّاجعة من معلّمته، وكنا نتناقش بالأمور الهامّة”.

جلال الآن يتمتّع بالثقة، وهو أكثر اجتماعيّة ممّا كان عليه قبل من حالة التفرّد والانعزاليّة عن مجتمعه، الآن هو يلعب ويتكلّم وينطق الحروف بوضوح، يقضي أغلب وقته مع أصدقائه في المركز ولوحده دون أيّ خوف!