الأمر يحتاج لبعض الشجاعة.. عن النظرة السلبية للمرأة في مجال الرياضة

قبل أيام شدني مثل الكثيرين خبر تعيين الفرنسية فرابار حكماً لمباراة ألمانيا وكوستاريكا بكأس العالم لكرة القدم للرجال قطر 2022، لتكون أول حكمة رئيسية في تاريخ المونديال.

في ذلك الوقت بدأت السؤال إن كانت كلمة “حكمة” صحيحة في اللغة العربية، أم يجب استخدام كلمة حكم مثل الكثير من المفردات العربية، عندها اتصلت برياضية سورية وتأكدت من صحتها، لكنها  ختمت حديثها بعبارة “ما وقفت على التاء المربوطة من سنين  ونحن عم ناضل لنثبت حالنا بعالم رياضة”.

على إثر ذلك كان لا بد من تسليط الضوء على تجربة نساء سوريا في الرياضة، فالكثير منهن حفرن بالصخر حتى أثبتن أنفسهن وسط أسلاك من السلبية والإلغاء وإخفاء القدرات والمواهب.

أبرز الحالات النسوية من الرياضات

تدين سوريا في بروز اسمها على الساحة الرياضية العالمية إلى البطلة غادة شعاع التي حصدت العديد من الميداليات المتنوعة في بطولات مختلفة، حيث نالت الميدالية الفضية في بطولة آسيا عام 1991، وفضية دورة ألعاب البحر المتوسط 1993، بقيت في وجدان وذاكرة الكثير من الجماهير السورية بعد اعتلائها منصات التتويج في أولمبياد أتلانتا عام 1996 مع ذهبية رياضة السباعي، وحتى اللحظة هي صاحبة الذهبية الأولمبية الوحيدة بتاريخ سوريا الرياضي.

ومع انطلاق أولمبياد طوكيو 2020 توجهت الأنظار إلى لاعبة تنس الطاولة هند ظاظا أكثر من غيرها، حيث شكلت حالة مميزة كونها أصغر المشاركين بعمر 12 عاماً، ووصلت ظاظا إلى الأولمبياد بعد فوزها بذهبية بطولة غرب آسيا، تواصل حتى اليوم تألقها بحصدها المركز الأول ببطولة مصر الدولية كما أحرزت ذهبية بطولة العراق وغيرها من الميداليات.

وعلى صعيد الإدارة كان للسوريات حضورهن بقوة، خاصة مع تولي مها جنود منصب مدرب مساعد بنادي المحافظة الدمشقي لتكون أول مدربة للرجال في الشرق الأوسط، وكذلك الحكم ربى زريق أول امرأة آسيوية تحصل على شارتين دوليتين في كرة القدم وكرة الصالات.

ولم تتوقف إنجازات نساء سوريا على السويات، بل كان لصاحبات الإعاقة بصمتهم ومنهن لاعبة رفع الأثقال فاطمة الحسن التي شاركت في الألعاب البارالمبية – طوكيو 2020، بعد تحقيقها المركز الثامن بكأس العالم في كازاخستان، والميدالية الفضية ببطولة آسيا 2018، وفضية الدورة الآسيوية في إندونيسيا.

وسبق ذلك تحقيقها ثلاث ذهبيات في غرب آسيا، وخلال الأعوام 2015، 2016، 2017، 2018 حصدت المركز الثاني في بطولة كأس العالم “فزاع” الدولية في الإمارات.

أما في الألعاب الجماعية وضعت سيدات نادي الثورة لكرة السلة قدمهن بقوة بعد تألقهن على الصعيد المحلي والعربي، وخاصة بعد مشاركتهن في بطولة الأندية العربية للسيدات ووصولهن إلى النهائي وتقديم مستوى استحق الإشادة من الجماهير الرياضية.

هذه الإنجازات لم تسر بسهولة كما طريق الرجال، بل لاحقتها النظرة السلبية للمجتمع وغيرها من المشاكل التي جعلت حجم الجهد المبذول مضاعفاً، وخاصة أن الجمهور الرياضي أغلبه من الذكور.

كيف ينظر الجمهور للرياضات النسوية

لن أكشف سراً بأن النسبة الأكبر من الأشخاص الذين أحتك بهم واقعياً أو افتراضياً ينظرون بسلبية إلى المرأة في عالم الرياضة، ويعتبرونها “غير مؤهلة للدخول بهذا المجال”، أو أنها “لم تخلق لأجله”، رغم وجود بعض ممن يؤكدون أحقيتها بذلك.

وغالباً ما تكون المصطلحات المرافقة عندما تظهر امرأة (حكمة – مدربة- لاعبة) خلال أي مباراة، “عالبيت.. عالمطبخ”، “شو فهمك بالطابة”.

هذا ما يجعل العبء كبيراً على أي امرأة ترغب باقتحام هذا العالم، فهي لا تدخل بيسر وسهولة، وإنما تبذل جهداً مضاعفاً لإثبات نفسها وأنها قادرة على تحقيق شيء ما، وجهداً لمواجهة سلبية من تتعامل معهم وكذلك المجتمع المحيط.

تروي المدربة مها جنود – أول مدربة للرجال في الشرق الأوسط- أنه عندما عينت كمدرب مساعد لرجال نادي المحافظة الدمشقي، واجهت صعوبة بالتعامل مع اللاعبين في النادي بالبداية، ولكن مع مرور الوقت والتعرف عليها بات الأمر أسهل.

مسيرة مها جنود التي تتولى اليوم رئاسة قسم الكرة النسائية في الاتحاد العماني لكرة القدم وعضواً بلجنة كرة القدم النسائية في الاتحاد الآسيوي، لم تكن لتنجح لولا وقوف أهلها إلى جانبها، وخاصةً مع تعرضها للانتقادات من المحيطين بها.

تقول جنّود: “كرة القدم كانت شغفاً طفولياً، والحلم شقّ طريقه مستنداً إلى دعم معنوي جاء من وجود أختين قبلي في الرياضة”.

لم تكن تجربة اللاعبة ريتا عيزوق في عالم الرياضة بعيدة عن صعوبات جنود، وكان الأمر معقداً كونها لاعبة والجمهور يسخر من قدرات الفتاة اللاعبة وضعف تسديدتها أو بطئها خلال الركض فهو يريدها نسخة عن جسد الرجال وفي نفس الوقت يطابها بالأنوثة؟.

تروي ريتا أنها لم تنظر أو تفكر بأي شيء من ذلك بل أكملت ما حلمت به، ولم تتوقف هنا بل انتقلت إلى مجال التعليق الرياضي دون أن تسمع لأي كلام سلبي يدور حولها.

المشاكل التي تواجه نساء سوريا الرياضيات

إن قررت حضور مباراة بالدوري السوري لكرة القدم في الملعب، لا تتفاجئ بأن والدة الحكم ستذكر كثيراً مع كل شتيمة من الجمهور، فتخيل الوضع إن كان الحكم أنثى؟.

لم تدخل الحكم اليسار بدور إلى ملاعب الدوري السوري الممتاز لكرة القدم لتحكيم مباراة لمدة 90 دقيقة فقط، بل دخلت إلى ساحة مواجهة أمام 22 لاعباً وجماهير تحيط بها من كل جانب وتركز عليها وثيابها وشكلها أكثر من عملها.

تذكر بدور أنها تعرضت للكثير من الانتقادات كونها حكم أنثى داخل أرضية الملعب، كما سمعت عبارات مثل “البنات إلى المطبخ” و”أنت لا تفهمين بكرة القدم” و”تركت كل شيء وذهبت لتحكيم كرة القدم”.

ولكن كيف تخطت كل شيء بدور؟ تقول: “عندما تمتلك عائلة داعمة ستستطيع تجاوز كل الانتقادات التي تتعرض لها وقد كنت محظوظة بدعم عائلتي لي”.

أما الحكم ربا زرقا كانت تحت دائرة التشكيك بقدراتها خلال إدارة مباريات كرة القدم، وخاصة أن أغلب جماهير كرة القدم من الذكور، وهي أثنى وبالتالي النظرة “مختلفة”، لكن “النجاح في مهمتي هو السبيل الوحيد للثقة بقدراتي”،  تتحدث زرقا عن كيفة تخطيها لهذا الأمر.

استندت جنود وبدور إلى دعم عائلتهما والبعض ممن حولهم، ولكن ماذا عن اللواتي رغبن بدخول عالم الرياضة، وأغلق الباب بوجهن بكل قوة؟.

تروي صديقات عدة لي بأنهن كانوا يرغبون بشدة دخول عالم الرياضة، لكن الأهل وقفوا بوجههن ونصحوهن باختيار شيء أسهل “وما بيعمل وجع راس”.

واحدة من هؤلاء الصديقات تحدثت بأن أهلها لم يعارضوا دخولها لعالم الرياضة بداية، ولكن خوفهم من كلام المجتمع المحيط بهم منعهم من ذلك، وكانت النصيحة “دبري عريس أحسن من هالعلاك.. وبلا ما نسمع كلام الناس”.

تخلت صديقتي عن حلمها وغيرها الكثيرات ممن يدفعن ضريبة النظرة السلبية للمرأة السورية ووجودها داخل ساحات الرياضة، لكن رغم ذلك ماتزال أبرز الإنجازات الرياضة في سورية مسجلة باسم النساء، والبعض منهن يحاولن شق طريقهن في هذا المجال، فالأمر يحتاج  إلى شجاعة وعدم الخوف.

 

طارق ميري – صحفي سوري متخصص بالشأن الرياضي – مسؤول بالقسم الرياضي لإذاعة شام اف ام